حفل العام المنصرم بأحداث شرق أوسطية لم يدر بعضها في خيال أحد قبل وقوعها بيوم واحد. هذا عام فريد في نوعه. يبدو كما لو أنه وُلد قبل 85 يومًا من بدايته الزمنية عندما وقع هجوم 7 أكتوبر الذي فاجأ الجميع. وكان من هوجموا هم أكثر من فوجئوا بهجوم أحدث تغييرًا واسعًا لم يتوقعه أحد قبله. كما لم يكن متوقعًا أن تستمر الحرب التي ترتبت عليه لأكثر من 450 يومًا حتى نهاية 2024، وتتواصل في 2025. وهذه فترة تفوق الحروب العربية – الإسرائيلية مجتمعةً منذ حرب 1948 برغم أن فيها ثلاثة حروب (56-6-1973) كان كل منها أكبر من حرب غزة من حيث أطرافها أو المساحات التي دارت المعارك فيها.
لم يكن متصورًا أن يتمكن مقاتلو فصائل المقاومة من مواصلة القتال برغم قتل واغتيال عدد كبير من قادتها، وعدم وجود إمدادات عسكرية تُعوّض عن الأسلحة والقذائف المستهلكة، واستخدام الجيش الإسرائيلي قوة أكثر من مفرطة شملت جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية.
وبرغم أنه كان متوقعًا توسع الحرب المحدودة التي نشبت في جنوب لبنان، عندما بدأ حزب الله عملية “إسناد المقاومة في غزة”، لم يكن ممكنًا التنبؤ بوجود الاختراق الأمني الذي ظهر منذ تفجير أجهزة الاتصال التي كانت لدى عدد كبير من أعضاء حزب الله وقادته الميدانيين في 16 و 17 سبتمبر مما أدى إلى قتل وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف منهم، وإرباك صفوفه ومن ثم خسارة جزء يُعتد به من قدراته العسكرية.
وفي الوقت الذي شرعت قيادة الحزب الجديدة في ترميم صفوفه، فوجئت مثل الجميع في أنحاء العالم بما يمكن اعتبارها المفاجأة الأكبر في 2024. فما أن أُعلن وقف إطلاق النار في لبنان حتى بدأت الفصائل المسلحة في سوريا هجومًا أدى لانهيار الجيش، ومن ورائه نظام بشار الأسد، بسرعة وسهولة كان مستحيلاً توقعهما عندما بدأ هذا الهجوم.
لم يكن أحد في العالم تقريبًا مهتمًا بالوضع في سوريا، ناهيك عن أن يتوقع الهجوم المفاجئ والانهيار الشامل، الذي بدا كما لو أنه فيلم سينمائي سريع الإيقاع. وحدث ذلك بعد أن تضاءل الاهتمام الدولي بالأزمة السورية، وبدا أن نظام بشار الأسد مستقر برغم أنه كان يسيطر على حوالي 62 في المائة من أراضي البلاد فقط. لكن هذا الاستقرار كان قشرةً على السطح. أما في العمق فكان الفساد الذي نخر في عظامه قد وصل إلى النخاع، والضعف الذي حل بجيشه قد بلغ أوجه. وكان إيقاع انهياره أسرع من أن يلحقه أحد ممن كانوا حلفائه.
وبرغم أن إسرائيل تبدو، والحال هكذا، في وضع أفضل مما كانت في بداية العام، يتعين أن ندقق جيدًا فيما حدث ومازال. فالفرق كبير بين التفوق التسليحي والنصر. ليس جديدًا تفوق إسرائيل العسكري والتكنولوجي. فهذا مُعطى مستمر منذ عقود. لكن النصر شيء آخر. حققت إسرائيل بعض الإنجازات التكتيكية بفضل تفوقها العسكري والتكنولوجي، واستفادت مما حدث في سوريا بفعل اختلالات نظام بشار الأسد وليس نتيجة حرب خاضتها ضده. ولكنها ظلت بعيدة عن تحقيق النصر بالمعنى الاستراتيجي الكامل. فلا مجال للحديث عن نصر بهذا المعنى إلا إذا سلمت قوى المقاومة بأنها هُزمت، وقبلت بذلك. وستظل إسرائيل في سياساتها وقراراتها مع الحكومات العربية تحكم إسرائيل زمام القيادة لها في المنطقة، وهو ما لم يحدث. والنصر بهذا المعنى الذي لم يتحقق هو المدخل الوحيد للهدف الذي لن يتحقق، وهو إقامة “شرق أوسط جديد” تسعى أمريكا وإسرائيل إليه منذ عقود، ولا يزال في نهايته ما يدل على أنهم ما اقتربوا منه في 2024.
تعليقات