كتب: محمد مرزوق
في خطوة تاريخية تُعد بمثابة انعطافة نوعية في مجال التشريعات الصحية في مصر، وافق مجلس النواب المصري، بتوجيه من الدكتور أشرف حاتم، رئيس لجنة الشؤون الصحية، على تعديل مشروع قانون “المسؤولية الطبية”، في إطار اجتماعات ماراثونية استمرت أكثر من عشر ساعات، بحضور وزيري الصحة والشؤون النيابية، وعدد من النقابات المهنية المعنية. التعديلات التي تم إقرارها جاءت استجابة لمطالب نقابة الأطباء وكافة الفرق الطبية، لتضمن حماية حقوق المريض مع ضمان العدالة لأطباء مصر.
تعديلات قانون المسؤولية الطبية
وفي هذا التقرير نوضح ملامح التعديلات في القانون الذي كان حديث الشارع المصري والذي ثار حوله الجدل الكبير والذي أدى إلى قلب نقابة الأطباء بمصر رأسًا على عقب وجعل أربعة من أعضاء مجلس نقابة الأطباء يتدمون باستقالاتهم أعتراضًا على هذا القانون، ألا هو قانون” المسئولية الطبية ” في السطور التالية:
جلسات مكثفة وتوافق واسع
عُقدت اجتماعات ماراثونية استمرت أكثر من 10 ساعات، بحضور وزيري الصحة والشئون النيابية، ونقيب الأطباء الدكتور أسامة عبد الحي، ونقيبي التمريض والعلاج الطبيعي، بالإضافة إلى عدد من الأطباء والممارسين الصحيين. وكان هدف هذه الاجتماعات، التي تمت في أجواء من التعاون والنقاش المثمر، استعراض كافة الجوانب القانونية والفنية لمشروع القانون، وإجراء تعديلات ضرورية تلبيةً للمطالب الحقيقية للفرق الطبية، لضمان عدم التأثير سلبًا على سير العمل في المجال الطبي. وقد أسفرت هذه الاجتماعات عن إقرار عدد من التعديلات الهامة التي ستحقق توازنًا في المسئولية القانونية، بما يتماشى مع حقوق المريض والأطباء على حد سواء.
تفاصيل التعديلات التشريعية
تحت إشراف دقيق من الدكتور أشرف حاتم أُجريت تعديلات جوهرية على مشروع القانون، شملت تغيير مسمى القانون ليصبح “مشروع قانون تنظيم المسؤولية الطبية وسلامة المريض”، بدلاً من المسمى السابق الذي كان يتضمن لفظ “حماية”. وتعد هذه التسمية الجديدة تعبيرًا أدق عن هدف المشروع المتمثل في ضمان سلامة المريض في إطار من المسؤولية المتوازنة لجميع الأطراف المعنية.
ومن أهم القرارات التي تم اتخاذها، حذف المواد 27 و28 و29 من المشروع، والتي كانت تنص على فرض عقوبات مشددة على مقدمي الخدمات الصحية في حالات المخالفات. وقد جاء هذا التعديل استجابة للقلق الذي أبدته النقابات المهنية، حيث اعتبرت تلك المواد مصدرًا للالتباس وعدم الوضوح في تطبيق العقوبات، مما يضر بالبيئة المهنية للممارسين في المجال الصحي.
التوازن بين العقوبات وحقوق الأطباء
أما فيما يتعلق بالعقوبات، فقد تم الاتفاق على الإبقاء على عقوبة الغرامة في حالات الخطأ الطبي العادي، مع فرض عقوبة الحبس فقط في حالات “الخطأ الطبي الجسيم”، وهو ما أكد عليه الدكتور أشرف حاتم ، مشيرًا إلى أن هذه التعديلات تضمن التفرقة الواضحة بين الخطأ الطبي الذي يمكن أن يحدث في أي وقت، وبين الأخطاء الجسيمة التي يكون لها آثار مدمرة.
ونصت المادة 27 من القانون المعدل على فرض غرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تتجاوز مليون جنيه على من يرتكب خطأ طبيًا يُسبب ضررًا محققًا للمريض. كما تم إضافة نص ينص على عقوبة الحبس لمدة تتراوح بين سنة وخمس سنوات، بالإضافة إلى غرامة تتراوح بين 500 ألف جنيه ومليوني جنيه في حال حدوث “خطأ طبي جسيم”.
تعريف “الخطأ الطبي” و”الخطأ الطبي الجسيم”
ومن أبرز النقاط التي تم التركيز عليها في التعديلات، تعريف “الخطأ الطبي” و”الخطأ الطبي الجسيم” بوضوح، حيث أُدرج تعريف كل منهما في المادة 1 من القانون، لتحديد الفروق الدقيقة بين الخطأ الطبي العادي الذي قد يحدث نتيجة للظروف الطبية، وبين الخطأ الجسيم الذي ينجم عن الإهمال الجسيم أو عدم الاحتراز من قبل مقدم الخدمة الطبية.
وجاء تعريف “الخطأ الطبي” وفقًا لمعايير واضحة تشمل أي فعل يتناقض مع الأصول العلمية المعتمدة أو يتجاهل المعايير المهنية والأخلاقية المنصوص عليها. أما “الخطأ الطبي الجسيم”، فقد تم تعريفه على أنه “الخطأ الذي يتسبب في ضرر محقق ناتج عن إهمال فاضح أو إصرار على الخطأ، خاصة إذا كان مقدم الخدمة في حالة غير طبيعية نتيجة تعاطي المخدرات أو الكحول”.
دور اللجنة العليا في التحقيقات الطبية
وفي إطار تعزيز شفافية التحقيقات، تم تعديل المادة 18 من مشروع القانون، ليُصبح دور اللجنة العليا للمسؤولية الطبية أكثر وضوحًا كمصدر معتمد للخبرة الفنية في القضايا المتعلقة بالمسؤولية الطبية. كما نص التعديل الجديد على إمكانية الاستعانة بتقارير اللجان الفرعية المتخصصة، مما يعزز من الدقة والموضوعية في التحقيقات.
العقوبات المالية والحبس
من جانب آخر تم تحديد عقوبات مالية رادعة في حال وقوع أخطاء طبية جسيمة. فقد تم إقرار غرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تتجاوز مليون جنيه في الحالات التي يُسبب فيها الخطأ الطبي ضررًا للمريض، بالإضافة إلى عقوبات حبس تتراوح بين سنة وخمس سنوات في حالات الخطأ الجسيم، وهو ما يضمن أن تكون العقوبات متناسبة مع حجم الخطأ المرتكب، وبما يراعي العدالة الاجتماعية والمهنية.
موافقة واسعة على التعديلات
حظيت هذه التعديلات بترحيب واسع من قبل كافة الأطراف المعنية، بما في ذلك نقابة الأطباء، التي أبدت تقديرًا كبيرًا لجهود الدكتور أشرف حاتم في تحقيق توازن بين حماية حقوق المريض والطبيب. وأشاد المشاركون في الاجتماع بالدور المحوري الذي تلعبه اللجنة الصحية بمجلس النواب في تحقيق إصلاحات قانونية تستجيب للتحديات المعاصرة في القطاع الطبي.
مصر تفتح صفحة جديدة في تنظيم العلاقة بين المريض والطبيب
مع إقرار هذه التعديلات تفتح مصر صفحة جديدة في تنظيم العلاقة بين المريض والطبيب، فالقانون الجديد يُعيد التأكيد على أهمية بناء بيئة صحية آمنة تقوم على أسس قانونية واضحة ومتوازنة. وبينما يحقق القانون التوازن بين حماية حقوق الأطباء وحقوق المرضى، فإنه يعكس أيضًا إرادة الدولة في توفير نظام قانوني صحي يواكب المعايير العالمية، ويسهم في تعزيز ثقة المواطنين في النظام الصحي.